كنت
أخدم وأنا غلام، رجلاً من أشراف الناس. فلما بدا لي رفض الدنيا فارقت ذلك
الرجل، وقد كان أعطاني من أجرتي دينارين، فأردت أن أتصدق بأحدهما، وأستبقي
الآخر، فأتيت السوق، فوجدت مع رجل من الصيادين زوج هدهد، فساومت فيهما
فأبى الصياد أن يبيعهما إلا بدينارين، فاجتهدت أن يبيعنيهما بدينار واحد
فأبى. فقلت في نفسي: أشتري أحدهما وأترك الآخر. ثم فكرت وقلت لعلهما يكونا
زوجين ذكراً وأنثى فأفرق بينهما، فأدركني لهما رحمة فتوكلت على الله
وابتعتهما بدينارين وأشفقت إن أرسلتهما في أرض عامرة أن يصادا، ولا
يستطيعا أن يطيرا مما لقيا من الجوع والهزال، ولم آمن عليهما الآفات.
فانطلقت بهما إلى مكان كثير المرعى والأشجار بعيد عن الناس والعمران،
فأرسلتهما، فطارا ووقعا على شجرة مثمرة. فلما صارا في أعلاها شكرا لي،
وسمعت أحدهما يقول للآخر: لقد خلصنا هذا الرجل من البلاء الذي كنا فيه،
واستنقذنا ونجّانا من الهلكة. وإنا لخليقان أن نكافئه بفعله. وإنّ في أصل
هذه الشجرة جرة مملوءة دنانير. أفلا ندله عليها فيأخذها? فقلت لهما: كيف
تدلانني على كنز لم تره العيون وأنتما لم تبصرا الشبكة? فقالا: إن القضاء
إذا نزل صرف العيون عن موضع الشيء وغشّى البصر وإنما صرف القضاء اعيننا عن
الشرك ولم يصرفها عن هذا الكنز. فاحتفرت واستخرجت البرنية وهي مملوءة
دنانير، فدعوت لهما بالعافية، وقلت لهما: الحمد لله الذي علّمكما ما لم
تعلما، وأنتما تطيران في السماء، وأخبرتما ما تحت الأرض. قالا لي: أيها
العاقل، أما تعلم أن القدر غالب على كل شيء، ولا يستطيع أحد أن يتجاوزه.
القضاء والقدر لا مفر منه
وما كتب على الجبين لازم تشوفو العين